تعلم كيف تفرغ دماغك بالمعنى الحرفي

نواجه في الحياة اليومية كثيراً من التحدِّيات والضغوطات التي قد تؤثر سلباً في صحتنا العقلية، ومن التفكير في مشكلات العمل إلى القلق بشأن العلاقات الشخصية والمشاعر السلبية الأخرى، تتراكم الأفكار الضارة في عقولنا وتؤثر في جودة حياتنا، وهنا يأتي دور تقنية تفريغ الدماغ بوصفها أداة فعَّالة لتحسين الصحة العقلية وإعادة توجيه طاقتنا الذهنية نحو الإيجابية.



تقنية تفريغ الدماغ هي ممارسة بسيطة تعتمد على الكتابة بوصفها وسيلة للتعبير عن مشاعرنا وأفكارنا بصراحة ودون تحفُّظ، وتعمل هذه العملية على تصفية العقل من الأفكار السلبية والتوترات التي تجول فيه، وهذا يتيح لنا فرصة للتفكير بوضوح وبشكل أكثر بناء، والفكرة الرئيسة وراء هذه التقنية هي أنَّه من خلال كتابة ما نشعر به وما نفكر فيه، نستطيع تحليله وفهمه بشكل أفضل، ومن ثم التحكم في تأثيره في حياتنا.

في هذا المقال، سنتعمق في الخطوات الأساسية لتقنية تفريغ الدماغ ونكتشف كيف يمكن للكتابة والتنظيم أن تؤدي دوراً حاسماً في تحسين صحتنا العقلية والعاطفية، وسنستكشف أيضاً الفوائد الجمة التي تنجم عن تطبيق هذه التقنية في حياتنا اليومية، وهذا يمنحنا أداة قوية لإعادة توجيه تفكيرنا نحو الإيجابية وتحقيق أهدافنا بفاعلية أكبر.

أنواع تقنيات تفريغ الدماغ:

تقنية تفريغ الدماغ هي نوع من الكتابة العلاجية، تدوِّن فيها أفكارك ومشاعرك لتتخلص منها وتكتسب فهماً أعمق للعواطف الصعبة، وعلى الرغم من أنَّ العلاج يعد الدعامة الرئيسة للرعاية بالصحة العقلية، إلا أنَّ الكتابة العلاجية يوصى بها في كثير من الأحيان من قبل الأخصائيين والمستشارين بوصفها وسيلة لإدارة صحتك العقلية.

الكتابة العلاجية مفيدة للأشخاص الذين يعانون من أفكار متسارعة ومُرهِقة تتراكم في عقولهم، فيكون تحرير هذه الأفكار على الورق مريحاً ويُفسح المجال في عقلك لأفكار أقل شدةً أو أقل تداخلاً.

تشبه تقنية تفريغ الدماغ أنواع الكتابة الأخرى التي تكون مفيدة للصحة العقلية، مثل كتابة قائمة بمخاوفك قبل النوم لتحسين نومك، والكتابة اليومية لتخفيف القلق، والاحتفاظ بمذكرات الامتنان لتحسين الرفاهية العاطفية.

رغم أنَّ تقنيات تفريغ الدماغ قد تكون لها قيمة علاجية مماثلة لأشكال أخرى من الكتابة اليومية، لكنَّها تأتي بقواعد وقيود أقل، فتعتمد تقنيات تفريغ الدماغ على تفريغ أفكارك على الورق بأي شكل كان، فيمكنك كتابة قائمة بمخاوفك، أو تدوين قائمة بما يجب عليك فعله، أو الكتابة الحرة وتسجيل أي شيء يتبادر إلى ذهنك.

أنواع أخرى من تقنيات تفريغ الدماغ:

توجد بضعة أنواع أخرى من تقنيات تفريغ الدماغ بجانب تلك التي تركز على تحرير الأفكار والعواطف على الورق، ومنها:

1. تقنيات تفريغ الدماغ الإبداعية:

تُستخدم هذه التقنيات لتوليد وصقل أفكار إبداعية ومشاريع عمل، ولا تتضمن عناصر شخصية.

2. تقنية تفريغ الدماغ في مجال تكنولوجيا المعلومات:

  • يُشير هذا المصطلح إلى المعلومات المتعلقة بموضوع معين، وعادة ما تكون مخزنة بتنسيق إلكتروني.
  • يُربَط مصطلح "تقنية تفريغ الدماغ" بشكل قوي بالمواقع التي تقدم بشكل غير أخلاقي إجابات عن أسئلة الاختبارات في امتحانات شهادات تكنولوجيا المعلومات (IT).

فوائد تقنية تفريغ الدماغ:

لم تُدرَس تقنية تفريغ الدماغ بشكل محدد دراسة وافية، ولكن دُرِسَت الكتابة اليومية بشكل عام من أجل الصحة العقلية، ووجد الباحثون عدة فوائد متعلقة بهذه الممارسة.

شاهد بالفديو: 6 نصائح حياتية هامة لتنشيط العقل وتقوية الذاكرة

ماذا تقول أحدث الأبحاث؟

دعونا نلقي نظرة على أحدث الدراسات عن فوائد الكتابة للصحة العقلية.

في دراسة أجريت عام 2018 ونُشرت في مجلة JMIR للصحة العقلية، تمت مراجعة تأثير مشاركة البالغين الذين يعيشون مع تحديات صحة عقلية، ومن ذلك القلق، ففي روتين كتابة مفعم بالعواطف الإيجابية عبر الإنترنت (PAJ)، قامت مجموعة التدخل بجلسات كتابة ثلاث مرات في الأسبوع لمدة 15 دقيقة خلال فترة تمتد لمدة 12 أسبوعاً.

أظهرت الدراسة أنَّ المشاركين في كتابة المذكرات قللوا من مستويات القلق والضغط النفسي، إضافة إلى زيادة في مهارات التحمل والمهارات الاجتماعية، مقارنة بالمشاركين الذين لم يمارسوا الكتابة.

في استعراض أُجري عام 2022 ونُشر في مجلة الطب العائلي وصحة المجتمع، عُثِرَ على تحسينات صغيرة ولكن مشجعة في الصحة العقلية بين الأشخاص الذين قاموا بالكتابة، وأظهرت الدراسة أنَّ الأشخاص الذين قاموا بالكتابة سجلوا انخفاضاً بنسبة 5% في درجات الصحة العقلية بشكل عام مقارنة بالأشخاص الذين لم يقوموا بالكتابة.

أظهرت الفوائد الأقوى في حالات الصحة العقلية مثل القلق واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، فعلى الرغم من أنَّه يجب إجراء مزيد من الأبحاث، لكنَّ فريق المراجعة قد أوصى بالكتابة بوصفها إضافة مفيدة ومنخفضة التكلفة وخالية من الأضرار إلى العلاج النفسي لإدارة الأمراض العقلية.

تُظهِر الكتابة وعداً كبيراً بوصفها طقساً يمكن ممارسته قبل النوم، وقد يكون القيام بنوع من الكتابة الشبيه بـ "تقنية تفريغ الدماغ" هو المفتاح للحصول على نوم أفضل.

أجريت دراسة في عام 2019 ونُشرت في مجلة علم النفس التجريبي تناولت ممارسة الكتابة قبل النوم وتأثيرها في النوم، وقارنت هذه الدراسة بين عملية كتابة قائمة بالأشياء التي يجب القيام بها مقابل الكتابة اليومية عن النشاطات التي حدثت بالفعل.

بشكل مثير للاهتمام، أظهر الأشخاص الذين قاموا بكتابة قائمة بالأشياء التي يجب القيام بها أنَّهم ناموا بشكل ملحوظ أسرع من الأشخاص الذين قاموا بالكتابة اليومية بشكل أكثر تقليدياً، وكان التأثير الأكبر بين الأشخاص الذين جعلوا قائمتهم تحتوي على تفاصيل محددة قدر الإمكان، فكتابة الأفكار بشكل قائمة وتضمين قوائم بالأشياء التي يجب فعلها هي ميزة واحدة لتقنية تفريغ الدماغ؛ لذلك هذه الدراسة مشجعة لأنصار هذه التقنية.

إقرأ أيضاً: عادات يومية تغذي عقلك

كم مرة تستطيع ممارسة تفريغ الدماغ؟

لا توجد قواعد محددة عندما يتعلق الأمر بتقنية تفريغ الدماغ، فيمكنك ممارستها بالتكرار الذي تفضله، ولكن وجدت الدراسات التي تناولت فوائد الكتابة اليومية أنَّ أداء هذه النشاطات بانتظام، على الأقل عدة أيام في الأسبوع، بيد أنَّه يساعد؛ ببساطة، اجعل تقنية تفريغ الدماغ جزءاً من روتينك اليومي، فذلك قد يزيد من فوائدها.

فيما يتعلق بمقدار المدة التي يجب أن تمارس بها تقنية تفريغ الدماغ؛ فهذا يعتمد تماماً على اختيارك، فبعض الأشخاص يضبطون مآخذ زمنية أو يقررون عدد صفحات معينة، ولكن في الحقيقة يمكنك ببساطة أن تبدأ الكتابة وتتوقف عندما تشعر أنَّك قد قلت ما تحتاج إلى قوله؛ إنَّها بهذه البساطة.

Empty your brain

كيفية تنفيذ تقنية تفريغ الدماغ:

قد تبدو تقنية تفريغ الدماغ فكرة جيدة بالنسبة إليك، ولكن قد لا تعرف كيفية البدء، وربما أهم شيء يجب أن تتذكره هو أنَّ تقنية تفريغ الدماغ ليست لها قواعد كثيرة، وهذا هو الهدف، فالفكرة هي "تفريغ" جميع أفكارك ومشاعرك على الورق بحرية، دون القلق بشأن النتيجة النهائية.

هل أنت مستعد للبدء؟ إليك بعض النصائح التي يمكنك اتخاذها:

1. احصل على مذكرة:

قد تكون مذكرة يوميات، أو دفتراً عادياً، أو دفتر ملاحظات، ويمكنك أيضاً استخدام أدوات عبر الإنترنت، مثل الجهاز اللوحي، أو قسم الملاحظات على هاتفك الذكي، أو ملف على حاسوبك، فاختر ما يبدو أسهل بالنسبة إليك.

2. اختر وقتاً في اليوم:

يفضِّل بعض الأشخاص تقنية تفريغ الدماغ في أوقات الصباح الباكر حتى يكونوا حرين طوال اليوم، وبعضهم يفضلون تقنية تفريغ الدماغ بعد العمل، وبعضهم الآخر يفضلون القيام بذلك في الليل، قبل النوم، ومرة أخرى، الأمر يعتمد تماماً على ما يكون مناسباً بالنسبة إليك، ويمكنك تجربة أوقات مختلفة في البداية للعثور على أفضل وقت لك.

3. ابحث عن مكان هادئ وخالٍ من المشتتات:

قد يكون ذلك في غرفتك، أو في مكتبك، أو في حديقة خارج المنزل، أو في مقهى، فيحتاج بعض الأشخاص إلى هدوء تام، وبعضهم يجد أنَّ الكتابة مع موسيقى أو التلفزيون يساعد، وبعضهم الآخر يجد أنَّ الضوضاء البيضاء تساعد على تجاهل باقي العالم.

4. حدِّد المؤقت، أو اكتب وقت بدء الكتابة:

ليس عليك أن تقيس وقت تقنية تفريغ الدماغ بدقة، ولكن من المفيد تحديد هدف لمدة 5 دقائق على الأقل حتى تستمر في الممارسة.

5. تذكَّر أنَّه ليس عليك أن تكون جيداً:

أنت لا تحاول إثارة إعجاب أي شخص هنا، فلا يحتاج أحد حتى إلى رؤية ما تكتبه، فقد تكون كتابتك فوضوية، والقواعد النحوية والإملائية ليست هامة، فالهدف الرئيسي هنا هو فقط السماح لك بالتخلص من كل شيء.

6. اعلم أنَّك أنت تصنع القواعد:

يمكنك الكتابة في قوائم، أو يمكنك الكتابة بعبارات قصيرة، أو يمكنك الكتابة بجمل كاملة، كما يمكنك اختيار ماذا تكتب، فربما ترغب في كتابة قائمة بمهامك لليوم أو الأيام القادمة، ربما ترغب في كتابة بعض الأمور التي تقلقك، وربما ترغب في كتابة ما يزعجك مؤخراً، يمكنك كتابة ما تشاء وما تكتبه يتغير من يوم لآخر.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب تثبت أنَّ الألعاب مفيدة للصحة العقلية

في الختام:

تظلُّ تقنية تفريغ الدماغ أداة قوية وفعالة لتحسين الصحة العقلية وتحقيق التوازن والنجاح في الحياة، وباتباع الخطوات الأساسية لهذه التقنية، يمكن للأفراد أن يجدوا فرصة لتحرير عقولهم من الأفكار السلبية والتوترات، وهذا يمنحهم القدرة على التفكير بوضوح واتخاذ إجراءات إيجابية.

بفضل تأثيرها المذهل في تحسين الصحة العقلية، وتعزيز الإبداع والتواصل، وتحقيق التوازن العاطفي، تظلُّ تقنية تفريغ الدماغ خياراً قوياً لتحسين نوعية حياتنا؛ إنَّها أداة تمكننا من التعامل مع التحديات بشكل أكثر إيجابية وبنَّاءة، وتساهم في تطوير شامل لذاتنا.

لذا، دعونا نواصل استخدام هذه التقنية بوصفها وسيلة لتطوير أنفسنا وتحسين حياتنا، ونشجع الآخرين أيضاً على استكشاف قوتها والاستفادة القصوى منها؛ إنَّها أداة بسيطة تحمل تأثيراً عميقاً في رحلتنا نحو التحسين الشخصي والرفاهية العامة.




مقالات مرتبطة